مما علمتني المحاماة .. أن لا أحاسد أحداً من الناس على ما آتاه الله من فضله ظاهراً .. مالا ً كان أو ولداً أو حسباً ونسباً وغيرهم من متاع الدنيا .
جائني في بدايات المهنة رجل أنعم الله عليه بالمال .. يشكو أقساطاً مركبة و أوراق قرض تحركها ضده مؤسسة مصرفية و تجارة كاسدة ولا يشعر بما يدور أحد من عائلته .
وآتاني ذات مرة ذو خلق و دين يطلب مباشرة دعوى طلاق أقامتها زوجته بعد كشفها علاقة آثمة يقيمها مع فتاة وضيعة قامت بابتزازه بفضح العلاقة طلباً للمال .
وأخرى ذات منصب حملت سفاحاً في سفر زوجها تريد خلعاً وتستشير في سيناريوهات معالجة الكارثة .
يطرق ذاكرتي من وقت لآخر قصة المهندس الذي يبلغ من العمر ٥٥ عاماً شريف كمال حافظ – المرفقة صورته – الذي قتل أولاده و زوجته عمداً ببلطة محطماً بها رؤوسهم وهم نيام بعد خسارته الفادحة بالبورصة المصرية عام ٢٠٠٩ .. خشي عليهم من الفقر بعد رغد العيش بأرقى أحياء القاهرة والسيارات الفارهة والأندية الشهيرة والمدارس التي ينتسب إليها أبناءه وأبناء الذوات .. يقيناً قبل قيامه بتلك المذبحة حسده أهل الأرض ممن يعرفه على نعم الله عليه لا يدرون أخيراً أريد به أم شراً .
حاول محاميه بائساً دفع الإتهام عنه بعلة المرض النفسي، لكن المهندس المتهم أخذ الكلمة من المحكمة بعد طلبها و دحض ما حاول إثباته محاميه ليحكم عليه بالإعدام ويموت كمداً في السجن قبل تنفيذ الحكم .
أذكر ذلك حين قص علي مسامعي محام صديق قرب سقوط سيحين بعد بضعة أشهر لعائلة من أشهر عائلات المال والأعمال بسبب مال اقترضوه فوق مالهم لشراء قطعة أرض متميزة شاسعة المساحة من أحد أكبر رجال الأعمال يعمل في ذات نشاطهم التجاري أورطهم فيها بعد ما زين لهم محاسنها و مميزاتها .. وتبين بعد ذلك أموراً وخفايا تعيق استثمار تلك الأرض أو استغلالها .
تغير الأحوال سنة كونية ، وأحياناً تأتي المصائب أسرع من إرتداد طرفك إليك .
المحاماة أثرى المهن وأقربها إلى نفوس الناس و وجدانهم .. وصدور المحامين تخبئ خطايا نفوسهم و آثامها و شرورها و بواعثها لهذا كله .. فنحن نتشح بالرداء الأسود لا مجازاً أو مقاربةً ، وإنما حقيقةً واقعةً تحملاً وضريبة ً ندفعها عن طيب خاطر زوداً عن رسالتنا .. ثم نستأنف الحياة عقب كل قصة ونخرج إليها سالمو القلب و الصدر ما استطعنا إلى ذلك سبيلا .
والناس حكايات .. تستحق في أكثرها الشفقة والرثاء .. فظاهرهم كالجبل على عظمته و شموخه يخفي جذوراً أكبر و أعظم في باطن الأرض .. إما هدوءًأ وسكينة ً وإما حمماً وبركاناً و ناراً موقدة .
{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }
{ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }
{ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }